تخطى إلى المحتوى

اللعب التربوي وكيفية ادماجه في الممارسة التربوية

5) النظريات المختلفة في تفسير اللعب:

رغم أن ظاهرة اللعب شغلت حيزا مهما من تفكير عدد من العلماء و الباحثين على مر الأزمنة , إلا أن الصياغات الأولى لنظرية في اللعب لم تولد إلا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر على يد الشاعر الألماني “شيلر” ثم من بعده الفيلسوف الإنجليزي “هربرت سبنسر” من خلال ما يعرف بنظرية الطاقة الزائدة.

أ) اللعب في نظرية الطاقة الزائدة:

اللعب من وجهة نظر “سبنسر” نشاط مهمته تصريف الطاقة الزائدة. فالحيوان إذا توفرت لديه طاقة زائدة عن حاجته في العمل يتخلص منها في اللعب , وهو ما ينطبق على الأطفال الذين لا ينشغلون في طفولتهم بأي عمل مما يولد لديهم طاقة زائدة تصرف في اللعب .

لكن رغم أن هذا التفسير فيه جانب من الصواب إلى حد ما , إلا أنه لم يتناول حقائق اللعب كما ينبغي , فليس اللعب مقصورا على الأطفال بل هو مظهر سلوكي لدى الكبار أيضا.يقول! فولكييه:” لا يزول اللعب بزوال الطفولة, فالراشد نفسه لا يمكن أن يقوم بفاعلية هائلةإلا إذا اشتغل و كأنه يلعب”. أضف إلى ذلك تجاهل سبنسر وأتباعه للدور المركزي للعب في عملية النمو, وإمكانية تدخل عوامل عدة لتوجيه هذه الطاقة و توظيفها لصالح الإنسان.

ب) اللعب في النظرية الإعدادية:

يقارب “كارل غروس” مؤسس نظرية الإعداد للحياة المستقبلية اللعب على أساس بيولوجي محض, فهو بالنسبة للكائن الحي مجرد تمرين للأعضاء حتى يمكن السيطرة عليها و استعمالها استعمالا حرا في المستقبل . فمطاردة صغار القطط لخيط الصوف ما هو إلا تدرب على مطاردة الفريسة بقصد الحصول على الطعام, كما أن تناطح الحملان هو تمرين للدفاع عن النفس في المستقبل.

و نفس الشيء ينطبق على الطفل, فميل البنات إلى اللعب بالعرائس مثلا ما هو إلا استعداد شعوري للعب دور الأمومة.

لقد لاقت هذه النظرية قبولا من لدن عدد كبير من العلماء لأنها تجاوزت بذكاء موقف نظرية “سبنسر”, فلو كان الأمر مجرد تخلص من الطاقة الزائدة لجاءت حركات الحيوانات عشوائية و متشابهة .إلاأن تطبيقها على الإنسان يقتضي الأخذ بعين الاعتبار الفارق بين حياة الانسان الغنية بالتفاعلات و المؤثرات المختلفة, وحياة الحيوان البسيطة و المحدودة .

ج) اللعب في النظرية التلخيصية:

اللعب من وجهة نظر” ستانلي هول” صاحب هذه النظرية هو مجرد تلخيص لسائر النشاطات المختلفة التي مر بها الجنس البشري عبر القرون و الأجيال, وليس تدريبا على نشاط مستقبلي , أو لمواجهة متغيرات الحياة.

فألعاب القفز و التسلق و الصيد هي في الواقع امتداد لا شعوري لأنشطة الإنسان القديم كماأن اللعب الجماعي للأطفال ما هو إلا تمثل لنشأة الجماعات الأولى في حياة الإنسان.

وإذا كان “ستانلي” قد بنى موقفه هذا على نظرية “لا مارك” القائلة بالانتقال الوراثي للصفات المكتسبة , فإن الدراسات الحديثة في علم الوراثة لم تعثر على ما يؤيد هذا الطرح, مما أدى إلى إلغاء نظرية ستانلي.

د) اللعب في نظرية التحليل النفسي:

يفسر رائدها” سيجموند فرويد” اللعب باعتباره إسقاطا للرغبات و لإعادة تمثيل الصراعات و الأحداث المؤلمة للسيطرة عليها , فلعب الأطفال لا يحدث بالصدفة بل تتحكم فيه مشاعر و انفعالات سواء كان الطفل على وعي بها أم لم يكن.

وإذا كان الطفل يميز اللعب من الواقع فهو يوظف أشياء من الواقع ليخلق عالمه الخاص به الذي يمكنه من الاحتفاء بالخبرات السارة التي تجلب المتعة, فالبنت مثلا تمارس على عرائسها تلك السلطة التي تحرم منها في عالم الواقع.

كما أن اللعب يساعد من خفض حالات التوتر و القلق وهو ما دفع فرويد إلى توظيفه كطريقة علاجية للأطفال المضطربين نفسيا.

غير أن المقاربة العلاجية و التنفيسية لا تكفي لتفسير اللعب إذ هناك وظائف أخرى لم يلتفت إليها رواد التحليل النفسي آنذاك.

ه) نظرية النمو الجسمي:

يرى العالم “كارت” رائد هذه النظرية أن اللعب يساعد على نمو الأعضاء خاصة الجهاز العصبي و المخ.فالحركات التي يؤديها الأطفال تسيطر على تنفيذها المراكز المخية مما يساعد على تكوين الأغشية الذهنية التي تكسو معظم الألياف العصبية , وبالتالي تمكين المخ من العمل بشكل أفضل.

خلاصـة:

إذا ألقينا نظرة فاحصة على هذه النظريات سنخلص إلى أن بعضها يكمل بعضا , كما أنها تتفق حول حقيقة واحد مفادها أن اللعب يقوم في أساسه على الحاجات الغريزية و البيولوجية للطفل , أما رغباته فتنضج مع نموه و تظهر من خلال ألعابه بغض النظر عن أسلوب تربيته, و مكان عيشه, و من يقوم على تربيته.

6) أنـواع اللـعـب:

يرتبط تنوع الألعاب من حيث شكلها و مضمونها و طريقة أدائها بخصائص المرحلة العمرية , كما يرتبط بالظروف الاجتماعية و الثقافية المحيطة بالطفل.

و يمكن حصر أهم أنواع اللعب كما يلي:

أ) اللعب التلقائي:
شكل أولي من أشكال اللعب , يمتاز بالتلقائية و عدم التقيد بأية قواعد أو مبادئ منظمة.يكون فرديا و حركاته بسيطة تنحصر في مد و ثني الذراعين, و تحريك الأصابع , ولمس الأشياء , و يميل خلاله الطفل إلى رمي و تدمير ما تقع عليه يداه بسبب نقص الاتزان الحركي.

ب) اللعب التمثيلي:

يسمى كذلك لعبا رمزيا و إيهاميا , و يتسم بتقمص شخصيات الكبار و سلوكاتهم, فتصبح الدمية أما أو أبا , و تصبح العصا حصانا.

وأهم ميزات هذا اللعب أنه ينمي مقدرة الطفل التخييلية و الإبداعية من خلال اجتهاد الطفل في إضفاء مسحة الواقعية على لعبه, متأثرا في ذلك بالوسط الذي يعيش فيه.

ج) اللعب التركيبي و الإنشائي:

يهيمن هذا النوع من اللعب على المرحلة المتأخرة من الطفولة (9-12سنة) و يتسم بكونه أقل إيهامية و أكثر بنائية, و يتضح من خلال الألعاب المنزلية ” بناء منزل, تشييد سكة قطار…” حيث يضع الطفل خطة للعب , و يسمي عناصر اللعبة .

و لهذا اللعب دور مهم في تنمية مهارات لها علاقة بالتفكير العلمي كالمقارنة و التنبؤ و الملاحظة و التحليل و التصنيف , كما ينمي مفاهيم أساسية في الرياضيات كالمساحة و الطول والتسلسل و الأعداد.

د) اللعب الفني:

جزء من اللعب التركيبي , لكنه يمتاز بأنه نشاط تعبيري فني يتيح للطفل فرصة التعبير عن مشاعره , و يمنحه الثقة بقدراته, و ينمي فيه خصيصة التذوق الجمالي.

ه) اللعب الترويحي و الرياضي:

يمارسه الطفل ابتداء من عامه الثاني, وهو عبارة عن ألعاب بسيطة توصف غالبا ب:

“ألعاب الأم” لأن الطفل يلعبها في الغالب مع أمه , ثم مع أولاد الجيران.

وهذا اللعب ذو قيمة كبيرة في التنشئة الاجتماعية, فمن خلاله يتجاوز الطفل أنانيته, و ينمي حسه الاجتماعي من خلال المشاركة و التعاون و احترام الآخر و الاندماج في المجموعة و التدرب على الأخذ و العطاء.

و) اللعب الثقافي:

تشمل سلسلة الأنشطة التي تتيح للطفل إمكانية التثقيف , و اكتساب المعلومات و الخبرات, وأهمها برامج الأطفال الإذاعية و التلفزية , ومسرح الطفل, وبعض ألعاب الفيديو و الحاسوب.

خـلاصـة:

إن الكم الهائل من الأبحاث والتجارب والدراسات التي تناولت موضوع اللعب تجمع على أنه محدد رئيسي لشخصية الطفل, ونشاط لازم لنموه و تكوينه على المستوى الحركي و النفسي و الاجتماعي, ووسيط فعال بينه و بين العالم الخارجي.

ومظهر سلوكي بهذه الأهمية يقتضي استثماره تربويا على أوسع نطاق ممكن , من خلال توجيهه , وإكسابه قيمة تربوية حتى يكون مدخلا وظيفيا لمسار تعلمي فعال.

يقول الإمام الغزالي رحمه الله : (( إن دخول مملكة الأطفال لن يكون إلا من خلال السماح لهم باللعب , وإن منعناهم عنه فسنرهقهم في التعلم , وسنميت قلوبهم الصغيرة , ونبطئ ذكاءهم , وننغص عليهم العيش, حتى يطلبوا منه الخلاص! !!)).

الصفحات: 1 2 3

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *