منذ مطلع الشهر الثالث من العام ألفين و عشرين اتخذت آلاف المدراس و الجامعات من كافة أرجاء العالم قراراً بإكمال العام الدراسي عن طريق تعليم طلبتها عن بُعد، و ذلك تماشياً مع إجراءات التباعُد الاجتماعي التي أقرتها قيادات تلك البلدان في محاولة للحد من انتشار فيروس كورونا (أو ما يعرف بكوفيد – 19). وهكذا وجد ملاين التلاميذ و الطلبة و الأساتذة أنفسهم بين ليلة وضحاها كما يقول المثل العربي، أمام نمط جديد من التعليم مغاير تماماً لما كانوا قد بدؤوأ به العام الدراسي. واليوم، بعد ما يقرب الشهرين من بدء هذه الأزمة على نطاقها العالمي، تجد بعض المؤسسات التعليمية في بعض البلاد نفسها مضطرة إلى الاستمرار في منهج التعليم عن بُعد لعام دراسي آخر.
رافق هذا التغير عددا لا يعد و لا يحصى من التحديات و الصعوبات و العوائق و العقبات التي واجهت كلا من الأساتذة والمُتعلمين على حدٍ سواء حيث وجد الأساتذة أنفسهم أحيانا أمام أسئلة و تساؤلات لا يعرفون اليها سبيلاً. و نحن لسنا هنا بصدد التعرض لها كلها في هذا المقال، بل سنحاول التركيز على إحداها وهي العمل على الحفاظ على مستوى دافعية المتعلمين و مدى إشراكهم في الدروس بعد هذا التغير الطارئ المفاجئ، كونها إحدى المشاكل التي عانى منها عدد كبير من الأساتذة في صفوفهم على اختلاف أنواعها.
وتشير الكثير من البحوث التي أعدت لدراسة أداء المُتعلمين في الدروس التي تُعطى باستخدام الوسائل الالكترونية و الشبكة العنكبوتية أنّ هناك عوامل من شأنها تحسين أداء الطلبة المشاركين فيها. هذه العوامل كثيرة، أحدها و لعلّهُ يكون أهمها هو مشاركة المُتعلمين في مجريات الدرس و مدى تفاعلهم مع الأساتدة من جانب ومع أقرانهم من الجانب الآخر. ويجد المتعلمون المنخرطون في الدروس التي تُعطى عن بُعد أحياناً صعوبات في المشاركة أو الاستمرار بالمشاركة في مجريات الدرس مقارنة بالدروس التي تُدرّس وجها لوجه، لا سيما أنّ كلّ مَن في الدرس مِن أساتذة أو زملاء مختفون خلف شاشات زجاجية و أزرار إلكترونية. في ذات الوقت، يُعدّ عامل المُشاركة هذا من أهم ما مِن شأنه تغيير مستوى أداء المتعلمين و رفعه إلى مستوى أعلى Yنْ تمتْ مُراعاته بشكل دقيق.
كما تنوّه البحوث و الدراسات بضرورة تصميم الدروس بشكل يضمن فرصاً للتعلُّم النشط سواء كانت هذه الدروس تُعطى وجهاً لوجه أم كانت تُقدّم عن بُعد (إلكترونياً). ويؤدي توفير فرص التعلُّم النشط إلى تشجيع المُتعلّم على المشاركة و الاندماج في مجريات الدرس. أمّا الاِنصات إلخالي مِن أي مُشاركة أثناء الدرس فهو ما يُمكن اعتباره النقيض التام للتعلم النشط. و يُوصف التعلم النشط بأنّهُ بحثٌ عن معلومة أو معلومات يليه تنظيمها بشكل يحمل معنى أو معان و من ثمّ مشاركتها مع الآخرين. ويجد بعض الأساتذة صعوبة في تصميم الدروس بشكل يضمن احتواء فرص للتعلم النشط لاسيما عندما لا يتوفر لهم ما يكفي من الوقت لاِتمام هذا التصميم على أكمل وجه، كما حصل عندما تحوّلت العملية التعليمية خلال هذا العام الدراسي. إذ أنّ السرعة التي تحوّلت بها العملية التعليمية إلى نظام التعليم عن بُعد في العام الدراسي 2020 لم تمنح متسعاً من الوقت للأساتذة يستطيعون معه تصميم الدروس بشكل وافٍ، ناهيك عن أنّ ضمان توفير فرص للتعلم النشط يأتي باتخاذ خطوات عديدة و تدابير كثيرة و ليس ذلك بالأمر اليسير.
ونظراً لأهمية هذا التصميم و للحاجة المُلّحة اليه في هذه الظروف، سنقدم في هذه المقالة نموذجاً لحلولٍ عملية من شأنها المساهمة في رفع مستوى مشاركة المتعلمين في مجريات الدروس الإلكترونية أثناء وقت الحصة. وتتضمن هذه الحلول أستخدام وسيلتين إلكترونيتين. الأولى هي منصة تنظيم اللقاءات و الاجتماعات Zoom، والثانية هي أداة Padlet. وللتعرف أكثر على هذه الأداتين وطريقة عملهما، عليك بقراءة هاتين المقالتين على مدونة تعليم جديد. انقر هنا لتقرأ مقالاً يوضح ماهية و استخدام Zoom و هنا لقراءة مقال يوضح ماهية و استخدام Padlet.
تحوي منصة تنظيم اللقاءات و الاجتماعات Zoom عدداً من الأدوات المُصممة بهدف تمكين الحاضرين في لقاءٍ ما مِن المشاركة الجماعية و بشكل فوري و آني. إحدى هذه الأدوات و تُدعى Annotate (وتعني : أضف تعليقاً) تمكّن الحضور من إضافة تعليقات على محتويات شاشة مشتركة يراها الجميع.
تقع الأداة Annotate ضمن شريط الأدوات في Zoom.
“أطبع” أو Stamp هي إحدى الخيارات التي توفرها أداة Annotate لاِضافة التعليقات و التي تمكّن الحضور من إضافة إشارة “صح” أو “خطأ” مثلاً للمشاركة في الإجابة عن سؤالٍ ما.
Stamp أو “اطبع” هي إحدى الخيارات المُدرجة ضمن الأداة Annotate.
بوسع الأستاذ إدراج عدد من الجمل التي تشكل نقاطا يبتدئ بها نقاشاً أو حواراً أثناء فترة الحصة، و من ثمّ يعمد الأستاذ إلى عرض هذه الجمل تباعاً على شاشة Zoom المشتركة ثمّ سؤال الطلبة إن كان فحوى الجُمل صائبا أم لا. ويستطيع كل طالب و طالبة الإجابة عن هذا السؤال و إضافة اٍشارة “صح” أو “خطأ” للإجابة عن السؤال، و بذلك تكون هذه الإجابات الجماعية الفورية الآنية خطوة أولى يليها سؤال عن الأسباب أو طلب إيضاحات وتفاسير وصولاً إلى مشاركة الطلاب رأيهم الشخصي حول ما قرؤوه. بالإضافة إلى إمكانية إضافة علامتي “صح” أو خطأ” حيث تحوي الأداة Stamp إشارة علامة الاستفهام. و هكذا يتمكن الطالب الذي لا يعرف الإجابة أو الطالب غير المتأكد من مدى صحة الإجابة التي بحوزتهِ من المشاركة حاله كحال أقرانه الآخرين دون أن يشعر بالحرج من نقص المعلومات التي يمتلك. ولا ينظر الأساتذة الخبراء إلى هذه اإجابات غير المؤكدة على أنها مشكلة، بل على العكس فَهُم يعتبرونها فرصة ينتهزونها لحثّ المٌنعلمين على التعاون فيما بينهم.
يجيب الطلاب “بصح” أو “بخطأ” أو “بعلامة استفهام” على الشاشة المشتركة
الإجابة “بصح” أو “خطأ” ( في المثال أعلاه) بداية لابأس بها كَخطوة أولى على طريق توفير فرص للتعليم النشط غير أنّها إجابة بسيطة إلى حدٍ ما وإنْ تبعها نقاش أو تعليل أو شرح. و هنا يأتي دور المثال التالي الذي نوّد طرحه هنا، إذ يوفر سبيلاً يتمكن معهُ المتعلمون من المشاركة في إتمام مهمة أكثر عمقاً في إطار تعاونٍ جماعي أثناء فترة الحصة الإلكترونية. وتعدّ Padlet أداة إلكترونية مثالية لتصميم مهام كهذه، ذلك أنّها تمثل لوحاً إلكترونيا يمكن لأكثر من مُتعلّم العمل عليه بشكل جماعي و فوري بشكل يسمح لكافة المشاركين على اللوح من متابعته سويا. كما أنّ Padlet تقوم بتحديث و حفظ التغيرات التي تطرأ عليها بشكل آن و مباشر أيضاً، الأمر الذي يتيح للمتعلمين المشتركين في إتمام المهمة فرصة للتعاون و التعلم من بعضهم البعض. أضف إلى ذلك كله أنّ Padlet تتيح استخداماً مجانياً لكل من الأساتذة و المتعلمين كما أنّه برنامج داعم للغة العربية.
يتيح لوح Padlet لمستخدمية إضافة نصوص و صور و تسجيلات صوتية أو فديوهات وغيرها. و هكذا يجد الأستاذ الباب مفتوحا أمامه لتصميم مهام متنوعة ليكملها المتعلمون أثناء فتر الدرس.
في الصورة المرفقة أدناه، أنشأت الأستاذة مجموعات و طلبت مِن المتعلمين ملء هذه المجموعات بما يُلائمها بعد أنْ قسّمت المُتعلمين إلى مجموعات تتكون كل مجموعة فيها من شخصين يتعاونان بينهما لاِتمام المهمة. أمّا في المثال الآخر (الصورة مرفقة أدناه) فقد أضافت الأستاذة مجموعة من الصور وطلبت من المُتعلمين إضافة حوار بين الأفراد في الصور ضمن سياق كانت قد أعدتهُ مُسبقاً.
لطلما نجح الأساتذة في تكريس خبراتهم و وقتهم و جهدهم لإعلاء مهنتهم و لضمان إيصال تعليم عالي الجودة لطلبتهم برغم الظروف الاِستثنائية التي قد يمرّ بها الطلبة أو الأساتذة ذاتهم. إحدى ركائز القوة التي ساعدت الأساتذة على المضي قُدماً و بقوة في أداء عملهم على أتمّ وجه هو التعاون بينهم.
أتى هذا المقال في إطار هذا التعاون الذي نتمنى به أنْ نشارك و نتشارك بخبراتنا مع كل أستاذة و أستاذ يعملون دائبين على خدمة مهنتهم و طلبتهم في هذه الظروف العصيبة التي يمرّ بها العالم بأسره آملين أنْ تعم الفائدة.
ممكن إضافة نصوص و صور و تسجيلات صوتية أو فديوهات
يعمل المتعلمون على إعطاء أمثلة لكل مجموعة
يضيف المُتعلمون الحوار إلى الصور
المراجع:
Allen, J. (2018). Faculty Approaches to Active Learning: Barriers, Affordances and Adoption.
Arghode, V., Brieger, E., & Wang, J. (2018). Engaging instructional design and instructor role in online learning environment. European Journal of Training and Development.
Hummel, R., Lowry, G., Pinkney, T., & Zadoff, L. (2018). An Inquiry Into Creating and Supporting Engagement in Online Courses. In Handbook of Research on Student-Centered Strategies in Online Adult Learning Environments (pp. 482-493). IGI Global.
Khan, A., Egbue, O., Palkie, B., & Madden, J. (2017). Active Learning: Engaging Students To Maximize Learning In An Online Course. Electronic Journal of E-Learning, 15(2), 107-115.
Soffer, T., & Cohen, A. (2019). Students’ engagement characteristics predict success and completion of online courses. Journal of Computer Assisted Learning, 35(3), 378-389.
Wolfe, K. A., & Uribe, S. N. (2020). What We Wish We Would Have Known: Tips for Online Instructors. College Teaching, 1-3.