وفي نفس الوقت حقق هذا المقترح غاية أخرى وهي إشعال حرب ضروس بين قيادات “النقابات الأكثر تمثيلية”، في مشهد أقرب إلى حلبات المصارعة الحرة حيث يدعي المتصارعون المبارزة، بينما يستثار الجمهور بتقنيات الحشد الحديثة (سمعية وبصرية).
وفي نفس الوقت كشف مقترح الوزارة مدى تخلف القيادة النقابية عما تعده الدولة، فمنذ مدة تدعي هذه القيادة جهلها بمحتوى مشروع النظام الأساسي الجديد. وهذا ما أكده عبد الرزاق الإدريسي (كاتب عام جامعة التوجه الديمقراطي) في حوار له مع موقع “أشكاين” حيث صرح: “الكلام عن النظام الأساسي الجديد كنا نسمعه منذ 2013 ولحد الساعة لا زال كلاما في كلام، إذا كان لهم من نسخة من مشروع هذا النظام الأساسي فليعلنوه للشغيلة التعليمية والرأي العام…”.
إن الدولة خبيرة بطرق تمرير الهجمات، وليست بهذه الدرجة من الغباء كي تكشف خطتها بشكلها الجاهز. لكن من يبحث في التقارير الصادرة عن وزاراتها (وزارة التربية الوطنية، وزارة المالية، وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية) وتقارير المجلس الأعلى للحسابات، إضافة إلى خلاصات المناظرات التي نظمتها حول موضوع إصلاح الوظيفة العمومية، هذا دون إغفال الوثائق المرجعية وهي تقارير البنك الدولي. إن من يطلع على هذه الترسانة سيكون صورة أولية حول معالم النظام الأساسي الجديد الذي تعده الوزارة تحت مسمى “مشروع نظام أساسي لمهن التربية والتكوين” الذي أعلنت عنه الوزارة منذ 2015 في وثيقة “التدابير ذات الأولوية”، ومذاك أعلنت عن فحوى والخطوط العريضة لذلك المشروع.
ومنذ إعلانه في ديسمبر 2015، وضعت الوزارة رزنامة بمراحل إنجازه، نقدمها هنا بالشكل الذي كتبتها بها الوزارة منذ 2015، ما ينفي حجة “عدم علم قيادات النقابات بمضمون المشروع”:
- المرحلة الأولى: (أنجزت): تشخيص محدودية النظام الأساسي الجاري به العمل، والوقوف على الاختلالات التي تعتريه؛
- المرحلة الثانية: (أنجزت): الإطلاع على التجارب الناجحة عربيا وإفريقيا وتقاسم نتائجه.
- المرحلة الثالثة: (أنجزت): المصادقة على هندسة النظام الأساسي الجديد، وعلى المبادئ المؤطرة والموجهة له؛
- المرحلة الرابعة: (في طور الإنجاز): إعداد وصياغة مشروع النظام الأساسي الجديد؛
إن الوزارة حاليا في الطور الأخير من الهجوم (المرحلة الرابعة)، وادعاء القيادات النقابية عدم علمها بمضامين المشروع، يدخل من باب التهرب من مسؤولية عدم القيام بواجب النضال ضده. فالوزارة في وثيقة “التدابير ذات الأولوية” أكدت على ارتكاز “المنهجية المعتمدة في إعداد مشروع النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين على المقاربة التشاركية، باعتماد المشاورات مع الشركاء الاجتماعيين في مختلف مراحل الإنجاز”. وطيلة سنوات الوزارة تناقش مع القيادات النقابية في إطار اللجان الموضوعاتية هذا المشروع، وفي عز معركة تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد، نظمت جولات نقاش بين الوزارة (في شخص كاتبها العام بلقاسمي) والكتاب العامون لنقابات التعليم تضمن جدول أعمالها “نقاش مشروع النظام الأساسي الجديد).
ما عيب النظام الأساسي القديم؟
استطاعت الدولة أن تجعل منطقها سائدا: الكل يطالب بنظام أساسي جديد، مع توصيفات مثل عادل ومنصف ومحفز. ولا أحد يطرح السؤال: ما عيب النظام الأساسي القديم؟
إن الانتقادات جاءت بالدرجة الأولى من البنك الدولي وترجمتها الدولة حرفيا إلى اللغة العربية:
- – نظام أجور غير عادل: حيث الأجرة لا تقاس بما يقدمه الموظف- ة من عمل.
- – معايير ترقية غير منصفة: حيث يترقى الموظف- ة بناء على معايير جماعية (الأقدمية، الاختيار، الشهادات) وليس بناء على المردودية والكفاءة.
- – نظام توظيف دائم يضمن الشغل القار للموظف- ة مدى الحياة، وليس نظام تشغيل قائم على الأهداف التعاقدية، التي بناء على تقييمها يجري تقرير تجديد العقد من عدمه.
- – نظام توظيف يشكل ثقلا على ميزانية الدولة: منظومة أجرية وترقية تلقائية ترفع حصة الأجور من الناتج الداخلي الخام، ما يستوجب تقليصها.
- – نظام توظيف مركزي يثقل كاهل الدولة بمهام “تدبير الموارد البشرية” في حين عليها أن تقتصر على مهام التوجيه والتخطيط.
هذه هي انتقادات الدولة والبنك الدولي لنظام التوظيف القديم، وقد استبطنتها النقابات (قيادات وقواعد). فأصبح الكل يسبح في بركة الدولة، ويطالبها بالإفراج على مشروع النظام الأساسي الجديد ومنح “نسخ منه للنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية لتتدارسه مع هياكلها وليكون نقاش ويعدل ما يمكن تعديله ورفض ما هو مرفوض” [عبد الرزاق الإدريسي، موقع أشكاين]، وهذا هو جوهر التعاون الطبقي: الاتفاق على المبدأ مع الدولة ومناقشة التفاصيل.
معالم النظام الأساسي الجديد
أشار وزير إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، محمد بن عبد القادر، في إحدى البرامج التلفزيونية أن إصلاح الوظيفة العمومية لا يتعلق بإجراءات تقنية وتدابير معزولة، بل بإصلاح شامل “لروح قانون الوظيفة العمومية لسنة 1958″، أي التخلي عن نظام توظيف فرضه سياق دولة ما بعد الاستقلال واقتصاد يقوم على قطاع عام، ويجب تكييف الوظيفة العمومية مع مستجدات العصر النيوليبرالي حيث تنسحب الدولة من أدوارها الاجتماعية وتخوصص الخدمات العمومية وتصبح الإدارة العمومية (جهاز الدولة) رافعة لتنمية القطاع الخاص (المحلي والأجنبي على السواء).
ويقدم البنك الدولي في تقريره المعنون “المغرب في أفق 2040″، نماذج الدول التي يجب أن يقتدي بها المغرب في مجال إصلاح الوظيفة العمومية: “العديد من الدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي [OCDE] وبعض الدول الناشئة (نيوزيلندا، المكسيك، كوريا الجنوبية وسنغافورة) ذهب أبعد من ذلك عبر إصلاح الوظيفة العمومية، ببساطة من خلال إزالة صفة الوظيفة العمومية عن معظم موظفي الدولة“.
هذا هو السياق العام الذي تعد فيه وزارة التربية الوطنية مشروع “نظام أساسي لمهن التربية والتكوين”، وهو ما لم تخفيه في وثيقة “التدابير ذات أولوية” الصادرة في ديسمبر 2015، المعنونة بـ”هندسة ومضامين مشروع النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين”، حيث تؤكد أن من دواعي إرساء هذا المشروع هي “غياب الشمولية في النظام الأساسي الحالي، وعدم قدرته على مواكبة ما يجري في الساحة التعليمية وخصوصيات مهن التربية والتكوين”.
أ. لا مركزة التوظيف وتدبير المسار المهني
جرى انتقاد واسع للطابع المركزي للوظيفة العمومية، وانتُقِد دور الدولة المُوظِّفَة/ المُشَغِّلَة التي يجب أن تحل محلها “الدولة المُخَطِّطَة” (تقرير المجلس الأعلى للحسابات 2017) و”الإدارة العمومية التي يجب أن تظل مجرد أداة تنظيم” (مداخلة رئيس الحكومة بنكيران في المناظرة الوطنية لإصلاح الوظيفة العمومية 2013).
طالب تقرير البنك الدولي “المغرب في أفق 2040″ الصادرة سنة 2017، بـ”إلغاء الطابع المركزي للدولة”: “ينبغي أن يطلق المغرب بحزم عملية الجهوية الموسعة النسقية وإلغاء الطابع المركزي عبر النقل الحقيقي والتدريجي لسلطات صنع القرار، والموارد والإمكانيات المطابقة للمستويات الترابية المناسبة… وتعزيز الوظيفة العمومية المحلية فرصة فريدة لإعادة النظر في وضعية الوظيفة العمومية لتتناسب مع متطلبات الممارسات الفضلى في مجالات التدبير الحديث والحكامة الجيدة”.
تحدث “تقرير حول الموارد البشرية” أصدرته وزارة المالية والاقتصاد سنة 2019 على تدعيم “مهام المفتشيات العامة للوزارات”، أي التأكيد على اقتصار المؤسسات المركزية “الوزارات” على دور التوجيه والرقابة، بعد تخليها عن أدوار التوظيف.
وفي هذا السياق صودق على مرسوم رقم 2.17.618 بمثابة ميثاق وطني للاتمركز الإداري في 26 ديسمبر 2018، هذا المرسوم الذي ينقل صلاحيات تدبير عديدة- ضمنها صلاحيات تدبير المسار المهني ل “الموارد البشرية”- من المؤسسات المركزية للدولة إلى “رؤساء المصالح اللاممركزة للدولة على الصعيد الجهوي”، ومعلوم ان المسار المهني يبتدئ بالتوظيف وينتهي بالتقاعد مرورا بالترقية والتأديب ….وحددت مدة استكمال تنفيذ إجراءات تنزيله في ثلاث سنوات. حيث صدر مرسوم رقم 2.19.40 بتاريخ 24 يناير 2020 ليحدد “نموذجا للتصميم المديري المرجعي للاتمركز الإداري الذي ستشتغل عليه كل بنية ممركزة للدولة” لنقل صلاحياتها للبنيات الجهوية والإقليمية في المدة المحددة (عدا قطاعات العدل والاوقاف والدفاع ومديرية الامن المستثنون من أحكام ميثاق اللاتمركز) وهو ما يفسر حديث وزارة التربية عن النظام الأساسي الجديد الذي ليس نظاما للأكاديميات وليس نظاما أساسيا لموظفي الوزارة.
إن مفهوم “مهن التربية والتكوين” التي يتكون منها اسم مشروع النظام الأساسي الجديد يظهر جليا نية الدولة: التخلي عن دور التوظيف والتشغيل لصالح مؤسسات دنيا (جهات، أكاديميات، مندوبيات الوزارات…) والاكتفاء بدور تنظيم علاقات الشغل بين مشغلين متعددين (الأكاديميات الجهوية في حالتنا هذه) وشغيلة التعليم المتعددة الوضعيات القانونية.
إن النقاش حول مكانة المرسمين- ات في النظام الجديد، وهل سيسري عليهم نظام التعاقد؟ نقاش مفتعل وغايته بث الذعر في صفوف المرسمين- ات، ثم طمأنتهم- هن فيما بعد بأن وضعيتهم- هن المالية لن تتغير في حين ستتغير وضعيتهم- هن الإدارية فقط.
لن تعدم الدول صيغا انتقالية لتمرير نظام أساسي جديد، خاصة أن البنية الديمغرافية للشغيلة تلعب في صالح الدولة، ليس فقط في قطاع التعليم بل في مجمل الوظيفة العمومية:
“إن الموظفين الشباب دون سن 35 سنة يشكلون %26 من مجموع موظفي الدولة المدنيين، بينما تشكل الفئات [35- 50] و50 سنة فما فوق نسبيا تبلغ على التوالي %40 و%34”. [وزارة الاقتصاد والمالية، مشروع قانون المالية لسنة 2019، تقرير حول الموارد البشرية].
والدولة تتبع هنا النصيحة الذهبية للبنك الدولي في تقريره “المغرب في أفق 2040”: “ويشكل احتمال تجديد هيئة التدريس بشكل هام خلال السنوات المقبلة فرصة لا ينبغي تفويتها لتجنيد المدرسين بناء على تكوينهم، ومهاراتهم ومحفزاتهم”.
وبالتالي فإن الدولة ليست مستعجلة، وهي تصر على قبول طرح نقاش نظام أساسي جديد من الناحية المبدئية، و”الانتقال الديمغرافي” سيتيح لها فرصة تمريره بعد انقراض فئة المرسمين (التقاعد، التقاعد النسبي) وهي خلاصة تقرير المجلس الأعلى للحسابات: “تبرز البنية الديمغرافية لموظفي الدولة تزايد أعداد الموظفين الذين سيحالون على التقاعد، حيث إن حوالي %32 من الموظفين تفوق أعمارهم 45 سنة. وتشكل هذه الوضعية فرصة لإطلاق إصلاحات عميقة فيما يخص تدبير الموارد البشرية بتكوين قاعدة جديدة لكفاءات وأعداد الموظفين بما يتناسب مع احتياجات إدارة الغد”. [نظام الوظيفة العمومية- خلاصة- أكتوبر 2017].
تعتمد الدولة تدرجية الهجوم وحتى تجريبيته (وليس ارتجاليته كما يرد في بيانات القيادات النقابية) لتفادي رد فعل شامل من ضحاياه. وهي نصيحة تقدم بها Aranaud Vagda، خبير بلجيكي في مجال تدبير الموارد البشرية، في المناظرة الوطنية لإصلاح الوظيفة العمومية سنة 2013، مفادها: “أهمية تحديد البرمجة الزمنية للإصلاح، والتي يتعين أن تراعى فيه مرحلة انتقالية كافية، تسمح بالمرور التدريجي من النظام الجاري به العمل إلى النظام المنشود، بكل سلاسة ومرونة لتفادي أي عراقيل أو مطبات قد تعترض تحقيق أهداف هذا الإصلاح الجوهري”.
بـ . تنويع أشكال التوظيف
ينتقد تقرير المجلس الأعلى للحسابات حول الوظيفة العمومية [2017] مساطر التوظيف مؤكدا على أن “عملية التوظيف لا تزال تشكل أحد مكامن الضعف في الإدارة المغربية” مشيرا إلى “ضعف اللجوء إلى الطرق الحديثة للتوظيف لدى الجهات المكلفة بتدبير الموارد البشرية”.
وفي خلاصاته يقترح المجلس الأعلى: “يتعين تحديث عمليات التوظيف بالاستفادة من تقنيات تدبير الموارد البشرية التي أثبت نجاحها في القطاع الخاص وفي بلدان أخرى”. وضمن “تقنيات التدبير هذه يقترح المجلس: “تطوير الشروط الضرورية لإنجاح سياسة التوظيف عن طريق التعاقد لا سيما من خلال الإرساء المتدرج للعناصر الضرورية من “نظام الوظيفة”.
وهو ما تضمنه حرفيا “تقرير حول الموارد البشرية” ملحق بـ”مشروع قانون مالية سنة 2019″ صادر عن وزارة الاقتصاد والمالية، حيث كتب: “تفعيل وأجرأة النصوص التنظيمية المرتبطة بالتشغيل بموجب عقود وبحركية الموظفين داخل الوظيفة العمومية”.
ج. معايير مقلصة لحق الترقية
ينتقد تقرير المجلس الأعلى للحسابات [2017] نظام ترقية الموظفين لأنه “غير مرتبط بأدائهم… حيث تتم الترقية في الغالب دون تمييز على أساس مستوى الأداء الوظيفي”.
وفي مكان آخر يرد المجلس الأعلى للحسابات ارتفاع كتلة الأجور إلى “الزيادات المترتبة عن الترقية السريعة للموظفين”، مطالبا بتقليص هذه الكتلة بإلغاء “الترقية التلقائية” و”إصلاحا شاملا لمنظومة الأجور في ارتباط بنظام التقييم والترقية”.
وفي هذا السياق طالب المجلس بمراجعة “نظام التقييم” في اتجاه التخلي عن المعايير الجماعية التي تكفل “الترقية السريعة”، واعتماد نظام تقييم جديد “يسمح بقياس أداء كل موظف أو تمييز الموظفين على أساس الكفاءات”، أي معايير فردية مبنية على مردودية الموظف.
وهو نفس الانتقاد الذي وجهه البنك الدولي: “لا يزال عمل الإدارة يرتكز إلى مفاهيم المنصب والترقية المبنية على الأقدمية في حين أن العمل والأداء ينبغي أن يكونا حجر الزاوية الذي تقوم عليه المبادئ التنظيمية للإدارة”، وينصح بـ”تطوير أنظمة للتقييم والتأطير ملائمة للرفع من أداء المدرسين المزاولين”. [“المغرب في أفق 2040، الاستثمار في الرأسمال اللا مادي لتسريع الإقلاع الاقتصادي”، جان بيير شوفور، موجز عام، مجموعة البنك الدولي، 2017].
وهذا محور من الهجوم ليس بجديد، بل صرحت به الوزارة منذ 16 ديسمبر 2015 في وثيقة بعنوان “التدابير ذات الأولوية”، ففي التدبير رقم 19 المعنون بـ”هندسة ومضامين مشروع النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين” تقول: “ربط تطور المسارات المهنية بالمردودية التربوية في إطار نظام التقويم المتمحور حول النتائج“.
وفي هذا لإطار تضمنت “الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018- 2021، نجاعة إدارية في خدمة في خدمة المواطن والتنمية”، وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، توصية “وضع نظام لقياس الأداء الإداري عبر اعتماد بارومتر لقياس جودة الخدمات الإدارية بشكل منتظم من أجل معرفة مدى استجابة المرافق الإدارية لحاجيات المرتفق وتتبع مستوى رضاه”.
د. تقليص كتلة الأجور
يتحدث تقرير المجلس الأعلى للحسابات عن “وظيفة عمومية تفوق القدرات الاقتصادية للدولة” مشيرا إلى ارتفاع كتلة أجور الموظفين، وطالب بـ” التحكم في نفقات موظفي الدولة” من خلال عدة إجراءات:
- + إصلاحا شامل “لمنظومة الأجور في ارتباط بنظام التقييم والترقية
- + تتمثل في تخفيض وتيرة التوظيفات.
- + اللجوء إلى إعادة الانتشار قصد معالجة اختلالات توزيع الموظفين.
والإجراء الأخطر هو اقتراحه ربط الأجر بالعمل، حيث يوصي المجلس بـ”إعادة النظر أولا في تركيبة الأجر بغاية إعطاء الأهمية الأكبر للراتب الأساسي وتوجيه التعويضات الأخرى لتناسب الغرض الحقيقي الذي أحدثت من أجله”، مع تأكيده على الحرص على ألا تتحول هذه التعويضات المرتبطة بالعمل والمردودية إلى “مكسب دائم ومعمم”. وهي تقنية سائدة في القطاع الخاص تسمى ” العمل بالأهداف les objectifs”، حيث يفرض على الأجير- ة تقديم كمية كبيرة من العمل للحصول على نفس مستوى التعويضات أو الحوافز، وهي وسيلة لخلق التنافس بين أعضاء نفس الطبقة/ هيئة الموظفين من أجل تحسين مدخولها، بدل النضال الجماعي.
هـ. الزمن الإداري وإعادة الإنتشار
يعتبر تقرير المجلس الأعلى للحسابات زمن العمل الإداري “رافعة للتحكم في كتلة الأجور”، وينتقد “التباين الملحوظ على مستوى الزمن الفعلي للعمل الإداري داخل مختلف الإدارات العمومية”، مطالبا بـ”وضع آليات تروم التحقق من الوقت الفعلي للعمل في إطار المدة المحددة في النصوص التنظيمية”، وهذا ما يفسر كل الضجة حول ارتفاع ظاهرة غياب الأساتذة- ات.
يخلص المجلس إلى أن “من شأن الرفع من زمن العمل الإداري الفعلي أن يوفر هامشا من الإمكانيات التي تعادل أعدادا معينة من الموظفين بما يمكن من تلبية الاحتياجات من الموارد البشرية الناجمة عن تعاقد الموظفين، وبالتالي تقليص التوظيفات إلى حد مقبول”.
وفي قطاع التعليم يقول تقرير المجلس: “إن نسبة مهمة من الأساتذة (%90 من أساتذة السلك الثانوي التأهيلي و%74 من أساتذة السلك الثانوي الإعدادي) لا يستوفون عدد الساعات الأسبوعية المحددة لهم بسبب غياب التناسب بين انتشار الأساتذة وحجم المؤسسات التعليمية”.
غاية المجلس (والدولة طبعا) مالية بالدرجة الأولى: اعتماد ما تسميه “تقنيات حديثة لتدبير الموارد البشرية” لتقليص عدد التوظيفات التي ترفع كتلة الأجور. وبدل توظيف أساتذة- ات جدد، يوصي المجلس بتوزيع الزمن الإداري “بشكل عادل” على نفس هيئة التدريس القائمة من خلال إعادة الانتشار: أي جعل تقنيات تدبير الخصاص والفائض والتكليفات والاشتغال في أكثر من مؤسسة آليات نظامية سيقرها “نظام أساسي جديد” حين المصادقة عليه.
ومرة أخرى لم يقم المجلس الأعلى إلا بترجمة توصية صادرة عن البند العالمي إلى اللغة العربية، حيث يقول البنك في تقريره “المغرب في أفق سنة 2040: “ينبغي للمغرب تعزيز الأنشطة التي تم إطلاقها بغية تشجيع الحركية داخل الإدارة”.
ز. نقل علاقات الشغل القائمة في القطاع الخاص إلى الوظيفة العمومية
يوجه البنك الدولي انتقادا شرسا لنظام الوظيفة العمومية لأن “رواتب الموظفين التي تفوق أكثر من مرتين الأجور في القطاع الخاص” [“المغرب في أفق 2040]، ويدعو إلى مماثلة شروط العمل “نزولا” بين شغيلة القطاعين.
وهي التوصية التي استعادتها وثيقة صادرة عن وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية معنونة بـ”الخطة الوطنية لإصلاح الإدارة 2018- 2021، نجاعة إدارية في خدمة في خدمة المواطن والتنمية”، حيث تقول: “ضرورة النهوض بالبنيات التنظيمية وتحسين الأساليب التدبيرية وتخليق المرفق العام تطوير الإطار القانوني، مع العمل على استلهام نموذج التدبير المعتمد في القطاع الخاص وأجود الممارسات الدولية في هذا المجال”.
ويوصي تقرير المجلس الأعلى للحسابات (2017) بـ”رفع الحواجز بين القطاعين والخاص من خلال اعتبار التجارب المهنية في القطاعين أثناء التوظيف”.
ليس التعاقد إلا معولا من بين معاول عديد لهدم “الوظيفة العمومية الممركزة” واستبدلها بأنماط تشغيل ستطابق مستقبلا القائم في القطاع الخاص من اللجوء إلى “المناولة” و”التدبير المفوض”، ولا زلنا نتذكر أسلوب توظيف أطر “سد الخصاص والتربية غير النظامية”، وهي أشكل تشغيل ستعود مستقبلا إن لم نتمكن من وقف الهجوم.
ما هي المطالب الواجب الدفاع عنها؟
إن رفع مطلب “إخراج نظام أساسي جديد عادل ومنصف ومحفز” انتقل من وثائق الدولة/ الوزارة إلى بيانات القيادات النقابية. في وقت لا يتحدث أحد بشكل عميق- باستثناء الدولة وتقارير البنك الدولي بخلفيتهما المعادية للشغيلة- عن عيوب النظام الأساسي القديم.
إن المطلوب حاليا هو النضال من أجل الإبقاء على النظام الأساسي القديم للوظيفة العمومية وذلك الخاص بموظفي- ات وزارة التربية الوطنية، مع النضال من أجل إلغاء الهجمات التراجعية التي لحقت النظامين منذ بداية سنوات 2000، وعلى رأسها:
- – التوظيف بموجب عقود.
- – تفويض تدبير المسار المهني (من التوظيف مرورا بالترقية انتهاء بالتقاعد) لمؤسسات لاممرکزة (الأكاديميات).
- – الهجوم على حق الترقية التلقائية بمعايير جماعية (الأقدمية، الشهادة…).
- – تفويض تدبير خدمات الحراسة والبستنة والنظافة والمطاعم المدرسية للقطاع الخاص.
يستدعي هذا النضال، التخلي عن منطق الرفض الكلامي الذي يرفع الحرج، والانخراط في مبادرات عملية قصد إعداد القوة اللازمة لوقف تمرير “مشروع النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين”.
يقع جزء كبير من مهمة النضال لمنع تمرير مشروع “النظام الأساسي لمهن التربية والتكوين” على تنسيقية المفروض عليهن- هم التقاعد، فهي التنظيم الأكثر حيوية كونها تضم شبيبة مقدامة أثبتت قدرتها على الصمود في وجه القمع والاقتطاع.
لكن هذا لا يعني أن إسقاط هذا المشروع وعبره مجمل هجوم الدولة، رهين بقوتها لوحدها. الهجوم شامل ويمس كل شغيلة الوظيفة العمومية، وهذا يفرض عدم الاندفاع في معركة أحادية ومعزولة، بل يستوجب تعبئة قوة مجمل شغيلة الوظيفة العمومية لمواجهة الهجوم.
إن تبدل السياق النضالي قادم، وموجات نضال أكثر كفاحية مما شهدها المغرب سنة 2011 تلوح في الأفق، وعلى التنسيقية ألا تستنفذ قوتها النضالية في معارك معزولة تجعلها ****** السلاح حين تبدل السياق واندفاع شرائح الشعب للنضال.
الدولة واعية بذلك، وتدرك جيدا أن لحظات النضال الشعبي العارم تفرض عليها التقدم بتنازلات تعزل الحركات القائمة والمناضلة سلفا، وهذا ما اعترف به تقرير المجلس الأعلى للحسابات ذاته: “غير أن هذه التوقعات [تخفيض كتلة الأجور] تظل رهينة بتطبيق صارم للإجراءات المتخذة في الأجور، بصرف النظر عن احتمالات وقوع أحداث استثنائية قد تقتضي اللجوء إلى توظيفات بأعداد كبيرة أو إلى زيادات في الأجور كما حدث سنة 2011“.
لذلك فالواجب النضالي للتنسيقية في ظل سياق مائل لصالح الدولة، هو الصمود والحفاظ على الاستعداد النضالي والقوة التنظيمية، والإعداد لتبديل السياق وليس فقط انتظاره.
أما نقابات شغيلة التعليم، فقد جعلتها مهاترات القيادات وخطها القائم على التماس الحوار واستجداء المطالب مفتقدة للقوة اللازمة لمواجهة هذا الهجوم وواضعة كل بيضها على أوهام التمثيلية في الانتخابات المهنية بينما برنامج الدولة سائر دون معارضة فعلية. وهذا ما يفرض على قواعد النقابات (كلها مهما كانت طبيعة قيادتها السياسية ليبرالية، أو تقدمية، أو رجعية) أن تناضل لتفرض على قيادتها مواجهة هذا الهجوم أو تتمكن من تحرير نقاباتها من هيمنة هذه البيروقراطيات.
يستدعي الطور الذي وصله الهجوم، القطع مع مسرحة تقاسم الأدوار بين بيروقراطيات تُجَارٍي هجوم الدولة وأخرى تدعي معارضته قولا دون أن تقوم بالواجب العملي لمنع تمريره.
تقتضي أولى مهام إعداد القوة اللازمة لإسقاط مشروع النظام الأساسي الجديد إعلان الانسحاب من جولات الحوار التي تعقدها الوزارة، وأولها جولة 24 فبراير مع تنسيقية المفروض عليهن- هم التعاقد بحضور “النقابات الأكثر تمثيلية”، وإلا سيصدق على القيادات النقابية مثل الذي يبكي مع الراعي ويفترس مع الذئب.
– حملات كثيفة لتوزيع المناشير في المؤسسات التعليمية وكل الإدارات التعليمية، تتضمن فضحا لما تعده الدولة من هجوم يستهدف مجمل الوظيفة العمومية.
– ندوات إشعاعية، من المحلي إلى الوطني، باستدعاء تنسيقيات التعليم وكل نقابات شغيلة الوظيفة العمومية حول نفس الموضوع.
– الضغط على المركزيات النقابية للانسحاب من المجلس الأعلى لإصلاح الوظيفة العمومية.
– عقد مجالس مشتركة تضم قواعد النقابات، ومحاولة التواصل مع تنسيقيات التعليم، لحضورها قصد مناقشة سبل الرد على هجوم الدولة.
– مخاطبة قواعد النقابات، بطريقة رفاقية/ أخوية للضغط على قياداتها كي تنخرط فعلا في المعركة.
– بالنسبة للقوة اللازمة لمواجهة الهجوم: أين يختفي الجهاز النقابي الذي يتحرك بفعالية مدهشة في الانتخابات المهنية؟ لماذا لا تقوم مثل تلك التعبئة للطاقات والأجهزة الوطنية والمحلية عندما يتعلق الامر بقضية مواجهة مخططات الدولة.
بقلم شادية الشريف