كيف تحسن اختيار التخصص الجامعي؟

من أبرز المحطات الفاصلة في سيرة الإنسان، والتي تُرسَم فيها معالم مستقبله - تلك التي يقف فيها كصانع أهمِّ قرار في حياته، إنها عتبة حياة جديدة، يحمل فيها الطالب شهادته الثانوية كبطاقة دخول إلى مسرح الحياة؛ ليبدأ رحلته الحقيقية في طلب العلم والمعرفة، فيجد أمامه المجالات والفروع الدراسية المختلفة شكلًا ومضمونًا، وعليه أن يختار أحدها في زحمة الآراء والأهواء، فيخطُّ بذلك أول كلمة في سجل مستقبله، كنقلة كبرى من حياة التلمذة المحكومة بالقوانين والأعراف والأسوار إلى حياة جديدة يحفُّها المجهول من العلاقات والتحديات، والورود والأشواك، مجال يختاره فيصبح محور حياته، والحاكم على قصته بالنجاح أو الفشل.

فهل من وسيلة تعين الطالب على حسن الاختيار، وتدفع عنه الحيرة، وشبح اجترار الحسرة بعد فوات الأوان؟

لقد حاول التربويون تقديم يد العون في ذلك، فتحدثوا عن أهمية دور الأهل في توعية أبنائهم ونصحهم في هذا الموقف من غير إكراه، وضرورة ابتعادهم عن هوس كليات القمة – حسب وجهة نظرهم – وعدِّهم التطلع إلى سواها ضربًا من التهاون والفشل، متجاهلين رغبات أبنائهم وقدراتهم، ومواطن ضعفهم وقوتهم، وتغيرات العصر وتحدياته، ويضاف إلى ذلك أمور مهمة وجوهرية ينبغي مراعاتها في تلك المحطة، يمكن إجمالها في محاور ثلاثة:

أولًا: الرغبة: ويقصد بها مدى حب الطالب وميله للتخصص الذي يختاره، ومدى ارتباطه باهتماماته وميوله وهواياته، فالمجال الذي نحبه نتعلمه بسرعة، ونستمتع بممارسة المهنة المتولدة منه، وننعم بوفرة فرص التطوير والإبداع فيه، فكم من شخص أنهى دراسته، وعمِل في مجال تخصصه، ولكنه لم يشعر يومًا بحب تلك المهنة، ولا بالاستمتاع في مزاولتها! فقط لأنه تجاهل رغبته، وضحَّى بها حين اتخاذ القرار.

 

ثانيًا: القدرة: وهي الطاقة الجسدية والسمات النفسية التي يمتلكها الطالب حيال مهنته بعد إنهاء الدراسة، فكيف يختار مهنة الطب من لا يحتمل منظر الدماء؟! وكيف يختار مهنة الهندسة من يخشى الوقوف على الأماكن العالية؟! وكذلك الحال بالنسبة للتدريس والمحاماة والعلوم العسكرية وغيرها من المهن، فلكلٍّ منها متطلباتها النفسية والجسدية والعقلية الخاصة، التي يجب أن يأخذها الطالب بعين الاعتبار حين الاختيار.

 

ثالثًا: الفرصة: أي: مدى توافر فرص العمل المناسبة لمجال الدراسة بعد التخرج، فكم من تخصص برَّاقٍ في اسمه، تزدحم على بابه الرغبات، ولكن لا فرصة عمل له على أرض الواقع!

 

ومما لا شك فيه أن أيَّ فرعٍ دراسيٍّ يختاره الطالب حتى إن كان عن رغبة وقدرة، ولكنه يفتقر لفرص العمل – فإنه قد يضطر صاحبه للعمل خارج إطار دراسته واهتماماته، والندم يعصر قلبه!

 

تلك المحاور الثلاثة المهمة يجب أخذها بعين الاعتبار، وعدم إهمال أيٍّ منها من قِبَلِ الطالب حين اختياره مجاله الدراسي؛ ليضمن بها رضا النفس وصواب القرار، على أن يسبقها الاستشارة، ويعقبها الاستخارة، ويمكنه مراعاة تلك المحاور بسهولة تامة، وبدقائق معدودة من خلال الجدول الآتي:

م الفروع الدراسية المتاحة للطالب الرغبة من (10) القدرة من (10) الفرصة من (10) المجموع (30)
1          
2          
3          

 

وللطالب أن يزيد في صفوف الجدول السابق؛ بحيث يتسع لكل التخصصات المتاحة أمامه على أن تكون متوافقة مع نسبة تحصيله الدراسي، ومناسبة لظروف أسرته المادية والاجتماعية، ثم يقدر درجة كل من (الرغبة، والقدرة، والفرصة) من (1) إلى (10) لكل فرع دراسي كتبه في العمود الأول، على أن يكون التقدير صادقًا وموضوعيًّا، ومن ثَمَّ يجمع درجات كل فرع دراسي على حدة، فيختار من بينها الأعلى درجةً ليكون مجال دراسته وتخصصه.

 

وفي حال تساوى فرعان دراسيان في الدرجة الكلية يختار من بينهما الأعلى درجةً في محور (الرغبة)، فحبُّ المهنة يشحذ الهمة، ويجلب المتعة، ويعين على تخطي الصعاب.

 

وربما لن يجد الطالب تخصصًا مثاليًّا يحظى بنيل درجة عالية في المحاور الثلاثة معًا، ولكن مجرد استحضاره لها في موقف القرار يضمن له التوازن بين ما تشتهيه النفس، ويقوى عليه البدن، ويحتاجه الأنام؛ فيبعد بذلك عن نفسه وأسرته هواجس الندم، ويجلب التفاؤل والرضا بالأقدار في واقع الحال وقادم الأيام.

د. محمد زكي عيادة

Exit mobile version