اللعب التربوي وكيفية ادماجه في الممارسة التربوية

يعرف اللعب التربوي ,أو أسلوب التعلم باللعب , بأنه استغلال أنشطة اللعب في اكتساب المعرفة و تقريب مباديء العلم للأطفال و توسيع آفاقهم المعرفية

لايمكن الحديث عن الطفرة النوعية التي تعرفها مناهج التعليم ببلادنا دون الحديث عن بيداغوجيا الكفايات التي تعد جوهر هذه الطفرة , و ملمحا أساسيا من ملامح إصلاح نظام التربية و التكوين . هذه البيداغوجيا التي شكلت قطيعة مع النزعة التقليدية السلطوية المهيمنة على الفعل التربوي منذ عقود , وتجاوزا ذكيا  لبيداغوجيا التدريس بالأهداف المغرقة في نزعتها السلوكية .
و مكمن الجدة و المغايرة في هذه البيداغوجيا هو تفعيلها لفلسفة و مضامين الميثاق الوطني للتربية و التكوين , و المتمثلة أساسا في :” جعل المتعلم بوجه عام , و الطفل على الأخص , في قلب الاهتمام و التفكير و الفعل خلال العملية التربوية التكوينية …”(1) , و ذلك بتبني ” نهج تربوي نشيط , يجاوز التلقي السلبي و العمل الفردي إلى التعلم الذاتي , و القدرة على الحوار و المشاركة في الاجتهاد الجماعي”(2) .
إلا أن ترسانة الصيغ و المقاربات البيداغوجية لا تكفي وحدها لتفعيل و أجرأة هذه المضامين ما لم تصاحبها قراءة رصينة لشخصية الطفل بكل أبعادها الحركية و النفسية و الاجتماعية , و القدرة على توجيه إمكاناته و قدراته و ميولاته التلقائية بشكل يخدم مسار تعلمه.

المــحــــــــــــور الاول : اللـعــب

تقول الدكتورة سوزانا ميلر أخصائية علم نفس الطفل” لقد ظلت كلمة “لعب” زمنا طويلا تعبيرا يشبه سلة المهملات اللغوية التي نلقي فيها بكل سلوك اختياري , و لكن لا يبدو له أي استعمال واضح من الناحية البيولوجية أو الاجتماعية”(3) .
و بالفعل فإن العديد من الآباء و الأمهات بل حتى المربين يخفقون في فهم ماهية اللعب و ضرورته الحيوية بالنسبة للطفل, إذ يعدونه سلوكا فارغا من أي محتوى وظيفي , و عائقا أمام التحصيل الدراسي , و قد غاب عنهم أنه أول بوابة يلجها الطفل لاكتشاف نفسه أولا , ثم استكشاف العالم.
إنه موقف يبدو غريبا إذا قورن بلحظة الاعتراف بالقيمة العملية للعب, والتي ترجع إلى زمن أفلاطون و أرسطو, حيث نادى الأول في كتابه ” القوانين” بتوزيع تفاحات على الأطفال لمساعدتهم على تعلم الحساب, و منح  أدوات بناء مصغرة لمن يتوقع أن يكونوا بنائين في المستقبل, بينما دعا الثاني إلى تشجيع الأطفال على اللعب بما سيكون عليهم أن يفعلوه بشكل جدي حين يصيرواراشدين  .

كما أن العديد من الدراسات و الأبحاث التربوية و النفسية أجمعت على اعتبار اللعب ضرورة بيولوجية , و نشاطا أساسيا لتكوين شخصية الطفل ,بل يذهب بعض خبراء التربية إلى أنه وسيلة التعلم الوحيدة خلال الخمس سنوات الأولى.
لكن قبل المضي في تبيان فوائد اللعب و آثاره على نمو الطفل , لا بد من إضاءة أولية لماهية اللعب و طبيعته و خصائصه , بالإضافة إلى الحيز الذي يشغله في أهم النظريات و المقاربات السيكولوجية.

1) ماهية اللعب:

***************

لغـــة:

جاء في لسان العرب لابن منظور: اللعب ضد الجد, و يقال لكل من عمل عملا لا يجدي عليه نفعا : إنما أنت لاعب, و يقال: رجل لعبة أي كثير اللعب , و الشطرنج لعبة , و النرد لعبة, و كل ملعوب به فهو لعبة لأنه اسم.

اصطلاحا:

تتعدد تعريفات اللعب و تتباين بالنظر إلى الإطار المرجعي الذي يستند إليه كل باحث في   رصده لهذا السلوك.كما أن جلها  إنما هي وصف للعب و ليست تعريفا له, مما يجعل  تقديم مفهوم موحد صعبا للغاية. لذا أكتفي بإيراد نماذج توضح هذا التباين:

– تعريف ويني كامين: Weiny Comin

اللعب هو أي نشاط يمارسه الطفل دون أية ضغوط عليه من البيئة المحيطة به و المتمثلة في بيئته العائلية و الاجتماعية, و البيئة الطبيعية.

– تعريف بيرس: Percy

اللعب هو كل نشاط يقوم به الفرد لمجرد النشاط دون أدنى اعتبار للنتائج التي قد تنتج عنه  بحيث يمكن الفرد الكف عنه أو الاسترسال فيه بمحض إرادته.

– تعريف قاموس التربية لمؤلفه جود:  Good

اللعب نشاط موجه أو غير موجه يقوم به الأطفال من أجل تحقيق المتعة و التسلية , و يستغله الكبار عادة ليسهم في تكوين سلوكهم و شخصياتهم بأبعادها المختلفة العقلية و الجسمية و الوجدانية.

– تعريف هوزنجا: Huzinga

اللعب هو كل أنواع النشاط الحر الذي يؤدى بوعي تام خارج الحياة العادية باعتباره نشاطاغيرجاد وغير مرتبط بالاهتمامات المادية .وهو مقتصر على حدود الملاءمة , و ينفذ وفق قواعد مضبوطة.

– تعريف جون بياجيه: Jean Piaget

اللعب عملية تمثل تعمل على تحويل المعلومات الواردة لتلائم حاجات الفرد.فاللعب والتقليد والمحاكاة جزء لا يتجزأ من عملية النماء العقلي و الذكاء .

2)خصائص اللعب:

*******************

رغم كثرة تعريفات اللعب و تباينها لارتباطها بتوجهات كل باحث ,إلا أن هناك اتفاقا حول خصائصه و سماته.

يجمل الدكتور محمد محمود الحيلة سمات اللعب الأساسية فيما يلي:

-هو نشاط لا إجبار و غير ملزم للمشاركين فيه, و قد يكون بتوجيه من الكبار أو بغير توجيه كما في الألعاب الشعبية.

– تعد المتعة و السرور جزءا رئيسيا و هدفا يحققه اللاعبون من خلال اللعب و غالبا ما ينتهي إلى التعلم .

– من خلال اللعب يمكننا استغلال الطاقة الذهنية و الحركية للاعب في آن واحد.

– يرتبط اللعب بالدوافع الداخلية الذاتية للطفل , حيث أنه يتطلب السرعة و الخفة و الانتباه و تفتح الذهن.

-اللعب مطلب أساسي لنمو الطفل و تلبية احتياجاته المتطورة و تعليمه التفكير .

-اللعب عملية تمثل , أي أن الطفل يتعلم باللعب , و حتى يكون اللعب فعالا لابد للطفل من       تمثله.

-اللعب مطلب أساسي لإثارة تفكير الأطفال, و توسيع مجال تخيلاتهم, و بناء التصورات الذهنية للأشياء  (4)

أما” ف.بيتش” فقد أورد خصائص اللعب كما يلي:

* اللعب يحمل عنصرا انفعاليا.

* يميز الكائن الأقل نضجا عن الكائن الأكثر نضجا.

* لا تكون له نتائج بيولوجية مباشرة تؤثر في وجود الفرد أو النوع.

* أشكاله متنوعة و عديدة.

* يعتمد استمراره و تنوعه على مستوى التطور الذي وصل إليه الكائن (5)

في حين يحدد الكاتب الفرنسي “كيلوا” سمات اللعب كما يلي:

* اللعب مستقل و يجري في حدود زمان و مكان محددين و متفق عليهما.

* غير أكيد, أي لا يمكن التنبؤ بخط سيره و تقدمه, أو نتائجه.وتترك حرية و مدى ممارسة

الحيلة فيه لمهارة اللاعبين و خبراتهم.

* يخضع لقواعد أو قوانين معينة أو إلى اتفاقات أو أعراف تتخطى القواعد المتبعة, و تحل محلها بصورة مؤقتة.

* إيهامي أو خيالي, أي أن اللاعب يدرك تماما أن الأمر لايعدو كونه بديلا للواقع.

وعلى العموم يمكن حصر خصائص اللعب في ثلاث سمات رئيسية : 1) دوافعه داخلية2) يحقق متعة للطفل3) مرن و متحرر من أية قواعد تفرض عليه .

3)العوامل المؤثرة في اللعب:

******************************

أثبتت الدراسات الميدانية وجود عوامل مؤثرة تتحكم في لعب الأطفال, وتمنحه أشكالا وأنماطا متباينة. ومن بين هذه العوامل:

أ) العامل الجسدي:

فالطفل الذي يعاني من تغذية ورعاية صحية ناقصتين يبدي اهتماما أقل باللعب, كما أن ضعف التناسق الحركي يعيق الطفل عن ممارسة ألعاب تتطلب النضج العصبي و العضلي.

ب) العامل العقلي:

يرتبط الإقبال على اللعب كذلك بمستوى ذكاء الطفل و نباهته, فالأطفال الأكثر ذكاء سرعان ما يغيرون أسلوب لعبهم فيرتقون من اللعب الحسي إلى الذي يتضمن عنصر الخيال و المحاكاة بينما لا يظهر هذا التطور على من هم أقل ذكاء.

ج) عامل الجنس:

فقد لوحظ في معظم المجتمعات أن هناك فروقا واضحة بين لعب الصبيان و لعب البنات , ففي لعب الصبيان هناك ميل أكبر نحواللعب الذي يرمزإلى القوة والسيطرة , بينما يكون لعب البنات أقل حركة .

د) عامل البيئة:

يؤثر عامل المكان على لعب الأطفال بشكل كبير بحيث تختلف أنماط اللعب باختلاف بيئة الطفل” ساحلية, صناعية, ريفية, صحراوية, غنية , فقيرة…”.

 

4) آثار اللعب و فوائده:

*************************

إن أول ما يمنحه اللعب للطفل هو فرصة الانفلات من قيود واقعه المادي, يقول الدكتور محمد عماد الدين إسماعيل” إن اللعب إنما يهيء للطفل فرصة فريدة للتحرر من الواقع المليء بالالتزامات و القيود, و الإحباط و القواعد و الأوامر و النواهي, لكي يعيش أحداثا كان يرغب في أن تحدث له و لكنها لم تحدث, أو يعدل من أحداث وقعت له بشكل معين و كان يرغب في أن تحدث له بشكل آخر إنه انطلاقة يحل بها الطفل, ولو وقتيا , التناقض القائم بينه و بين الكبار المحيطين به , ليس هذا فحسب , بل إنه انطلاقة أيضا للتحرر من قيود القوانين الطبيعية التي قد تحول بينه و بين التجريب, و استخدام الوسائل دون ضرورة للربط بينها و بين الغايات أو النتائج. إنه باختصار فرصة للطفل كي يتصرف بحرية دون التقيد بقوانين الواقع المادي أو الاجتماعي .” (6)

أما بقية الفوا ئد فإنها تتوزع على كافة نواحي نمو الطفل و يمكن إجمالها على الشكل الآتي:

أ) من الناحية الجسمية:

يحقق اللعب للطفل نموا جسميا سليما من خلال تقوية العضلات , و تصريف الطاقة الزائدة , و تنمية المهارات الحركية , و إحداث التكامل الضروري بين وظائف الجسم الحركية و الانفعالية و العقلية.

ب) من الناحية العقلية:

اللعب سلوك مهم لتحقيق النضج العقلي, و تنمية التفكير الإبداعي عند الطفل لما  يتيحه  من إمكانيات الخيال و التخمين و الاستكشاف و التساؤل.

ج) من الناحية النفسية:

يمكن اللعب الطفل من السيطرة على قلقه , و مخاوفه , و الصراعات النفسية التي تعتمل بداخله,فهو مجال للتنفيس عن الانفعالات التي تنجم غالبا عن القيود التي يفرضها  عليه عالم “الكبار ” .

د) من الناحية الخلقية:

يسهم اللعب في تكوين النظام الأخلاقي و المعنوي للطفل من خلال تعويده على معاييرالسلوك الأخلاقية كالصدق , والأمانة, وضبط النفس, والاجتهاد, و تقدير الآخر, و احترام مبدأ الاختلاف , و الإحساس بشعور الآخرين …إلخ.

ه) من الناحية الاجتماعية:

يكسب اللعب الطفل قيما و مهارات ضرورية للنمو الاجتماعي السليم, كتعلم النظام, و إدراك أهمية العمل الجماعي , و تقدير المصلحة العامة,  وتعرف أنماط السلوك الاجتماعي الملائمة لكل موقف.

و) من الناحية التربوية:

يذكي اللعب رغبة الطفل في التعلم , كما ييسر انخراطه بسهولة في المسار التعليمي     شرط أن يكون موجها من لدن الفاعل التربوي. و سأعمل على بسط فوائد اللعب من الجانب التربوي بشكل أكثر تفصيلا في المحور الثاني من هذا البحث.

خـلاصـة:

إن اللعب عامل مهم جدا في نماء الطفل  و تعلمه, فهو يتصل اتصالا مباشرا بحياته, بل إنه يشكل محتوى حياته و تفاعله مع بيئته, إذ يمكن الطفل من اكتساب معرفة شخصية لا تضاهيها المعرفة المجردة التي يحصلها عن طريق السرد و الإلقاء .

5) النظريات المختلفة في تفسير اللعب:

رغم أن ظاهرة اللعب شغلت حيزا مهما من تفكير عدد من العلماء و الباحثين على مر الأزمنة , إلا أن الصياغات الأولى لنظرية في اللعب لم تولد إلا في النصف الأخير من القرن التاسع عشر على يد الشاعر الألماني “شيلر” ثم من بعده الفيلسوف الإنجليزي “هربرت سبنسر” من خلال ما يعرف بنظرية الطاقة الزائدة.

أ) اللعب في نظرية الطاقة الزائدة:

اللعب من وجهة نظر “سبنسر” نشاط مهمته تصريف الطاقة الزائدة. فالحيوان إذا توفرت لديه طاقة زائدة عن حاجته في العمل يتخلص منها في اللعب , وهو ما ينطبق على الأطفال الذين لا ينشغلون في طفولتهم بأي عمل مما يولد لديهم طاقة زائدة تصرف في اللعب .

لكن رغم أن هذا التفسير فيه جانب من الصواب إلى حد ما , إلا أنه لم يتناول حقائق اللعب كما ينبغي , فليس اللعب مقصورا على الأطفال بل هو مظهر سلوكي لدى الكبار أيضا.يقول! فولكييه:” لا يزول اللعب بزوال الطفولة, فالراشد نفسه لا يمكن أن يقوم بفاعلية هائلةإلا إذا اشتغل و كأنه يلعب”. أضف إلى ذلك تجاهل سبنسر وأتباعه للدور المركزي للعب في عملية النمو, وإمكانية تدخل عوامل عدة لتوجيه هذه الطاقة و توظيفها لصالح الإنسان.

ب) اللعب في النظرية الإعدادية:

يقارب “كارل غروس” مؤسس نظرية الإعداد للحياة المستقبلية اللعب على أساس بيولوجي محض, فهو بالنسبة للكائن الحي مجرد تمرين للأعضاء حتى يمكن السيطرة عليها و استعمالها استعمالا حرا في المستقبل . فمطاردة صغار القطط لخيط الصوف ما هو إلا تدرب على مطاردة الفريسة بقصد الحصول على الطعام, كما أن تناطح الحملان هو تمرين للدفاع عن النفس في المستقبل.

و نفس الشيء ينطبق على الطفل, فميل البنات إلى اللعب بالعرائس مثلا ما هو إلا استعداد شعوري للعب دور الأمومة.

لقد لاقت هذه النظرية قبولا من لدن عدد كبير من العلماء لأنها تجاوزت بذكاء موقف نظرية “سبنسر”, فلو كان الأمر مجرد تخلص من الطاقة الزائدة لجاءت حركات الحيوانات عشوائية و متشابهة .إلاأن تطبيقها على الإنسان يقتضي الأخذ بعين الاعتبار الفارق بين حياة الانسان الغنية بالتفاعلات و المؤثرات المختلفة, وحياة الحيوان البسيطة و المحدودة .

ج) اللعب في النظرية التلخيصية:

اللعب من وجهة نظر” ستانلي هول” صاحب هذه النظرية هو مجرد تلخيص لسائر النشاطات المختلفة التي مر بها الجنس البشري عبر القرون و الأجيال, وليس تدريبا على نشاط مستقبلي , أو لمواجهة متغيرات الحياة.

فألعاب القفز و التسلق و الصيد هي في الواقع امتداد لا شعوري لأنشطة الإنسان القديم كماأن اللعب الجماعي للأطفال ما هو إلا تمثل لنشأة الجماعات الأولى في حياة الإنسان.

وإذا كان “ستانلي” قد بنى موقفه هذا على نظرية “لا مارك” القائلة بالانتقال الوراثي للصفات المكتسبة , فإن الدراسات الحديثة في علم الوراثة لم تعثر على ما يؤيد هذا الطرح, مما أدى إلى إلغاء نظرية ستانلي.

د) اللعب في نظرية التحليل النفسي:

يفسر رائدها” سيجموند فرويد” اللعب باعتباره إسقاطا للرغبات و لإعادة تمثيل الصراعات و الأحداث المؤلمة للسيطرة عليها , فلعب الأطفال لا يحدث بالصدفة بل تتحكم فيه مشاعر و انفعالات سواء كان الطفل على وعي بها أم لم يكن.

وإذا كان الطفل يميز اللعب من الواقع فهو يوظف أشياء من الواقع ليخلق عالمه الخاص به الذي يمكنه من الاحتفاء بالخبرات السارة التي تجلب المتعة, فالبنت مثلا تمارس على عرائسها تلك السلطة التي تحرم منها في عالم الواقع.

كما أن اللعب يساعد من خفض حالات التوتر و القلق وهو ما دفع فرويد إلى توظيفه كطريقة علاجية للأطفال المضطربين نفسيا.

غير أن المقاربة العلاجية و التنفيسية لا تكفي لتفسير اللعب إذ هناك وظائف أخرى لم يلتفت إليها رواد التحليل النفسي آنذاك.

ه) نظرية النمو الجسمي:

يرى العالم “كارت” رائد هذه النظرية أن اللعب يساعد على نمو الأعضاء خاصة الجهاز العصبي و المخ.فالحركات التي يؤديها الأطفال تسيطر على تنفيذها المراكز المخية مما يساعد على تكوين الأغشية الذهنية التي تكسو معظم الألياف العصبية , وبالتالي تمكين المخ من العمل بشكل أفضل.

خلاصـة:

إذا ألقينا نظرة فاحصة على هذه النظريات سنخلص إلى أن بعضها يكمل بعضا , كما أنها تتفق حول حقيقة واحد مفادها أن اللعب يقوم في أساسه على الحاجات الغريزية و البيولوجية للطفل , أما رغباته فتنضج مع نموه و تظهر من خلال ألعابه بغض النظر عن أسلوب تربيته, و مكان عيشه, و من يقوم على تربيته.

6) أنـواع اللـعـب:

يرتبط تنوع الألعاب من حيث شكلها و مضمونها و طريقة أدائها بخصائص المرحلة العمرية , كما يرتبط بالظروف الاجتماعية و الثقافية المحيطة بالطفل.

و يمكن حصر أهم أنواع اللعب كما يلي:

أ) اللعب التلقائي:
شكل أولي من أشكال اللعب , يمتاز بالتلقائية و عدم التقيد بأية قواعد أو مبادئ منظمة.يكون فرديا و حركاته بسيطة تنحصر في مد و ثني الذراعين, و تحريك الأصابع , ولمس الأشياء , و يميل خلاله الطفل إلى رمي و تدمير ما تقع عليه يداه بسبب نقص الاتزان الحركي.

ب) اللعب التمثيلي:

يسمى كذلك لعبا رمزيا و إيهاميا , و يتسم بتقمص شخصيات الكبار و سلوكاتهم, فتصبح الدمية أما أو أبا , و تصبح العصا حصانا.

وأهم ميزات هذا اللعب أنه ينمي مقدرة الطفل التخييلية و الإبداعية من خلال اجتهاد الطفل في إضفاء مسحة الواقعية على لعبه, متأثرا في ذلك بالوسط الذي يعيش فيه.

ج) اللعب التركيبي و الإنشائي:

يهيمن هذا النوع من اللعب على المرحلة المتأخرة من الطفولة (9-12سنة) و يتسم بكونه أقل إيهامية و أكثر بنائية, و يتضح من خلال الألعاب المنزلية ” بناء منزل, تشييد سكة قطار…” حيث يضع الطفل خطة للعب , و يسمي عناصر اللعبة .

و لهذا اللعب دور مهم في تنمية مهارات لها علاقة بالتفكير العلمي كالمقارنة و التنبؤ و الملاحظة و التحليل و التصنيف , كما ينمي مفاهيم أساسية في الرياضيات كالمساحة و الطول والتسلسل و الأعداد.

د) اللعب الفني:

جزء من اللعب التركيبي , لكنه يمتاز بأنه نشاط تعبيري فني يتيح للطفل فرصة التعبير عن مشاعره , و يمنحه الثقة بقدراته, و ينمي فيه خصيصة التذوق الجمالي.

ه) اللعب الترويحي و الرياضي:

يمارسه الطفل ابتداء من عامه الثاني, وهو عبارة عن ألعاب بسيطة توصف غالبا ب:

“ألعاب الأم” لأن الطفل يلعبها في الغالب مع أمه , ثم مع أولاد الجيران.

وهذا اللعب ذو قيمة كبيرة في التنشئة الاجتماعية, فمن خلاله يتجاوز الطفل أنانيته, و ينمي حسه الاجتماعي من خلال المشاركة و التعاون و احترام الآخر و الاندماج في المجموعة و التدرب على الأخذ و العطاء.

و) اللعب الثقافي:

تشمل سلسلة الأنشطة التي تتيح للطفل إمكانية التثقيف , و اكتساب المعلومات و الخبرات, وأهمها برامج الأطفال الإذاعية و التلفزية , ومسرح الطفل, وبعض ألعاب الفيديو و الحاسوب.

خـلاصـة:

إن الكم الهائل من الأبحاث والتجارب والدراسات التي تناولت موضوع اللعب تجمع على أنه محدد رئيسي لشخصية الطفل, ونشاط لازم لنموه و تكوينه على المستوى الحركي و النفسي و الاجتماعي, ووسيط فعال بينه و بين العالم الخارجي.

ومظهر سلوكي بهذه الأهمية يقتضي استثماره تربويا على أوسع نطاق ممكن , من خلال توجيهه , وإكسابه قيمة تربوية حتى يكون مدخلا وظيفيا لمسار تعلمي فعال.

يقول الإمام الغزالي رحمه الله : (( إن دخول مملكة الأطفال لن يكون إلا من خلال السماح لهم باللعب , وإن منعناهم عنه فسنرهقهم في التعلم , وسنميت قلوبهم الصغيرة , ونبطئ ذكاءهم , وننغص عليهم العيش, حتى يطلبوا منه الخلاص! !!)).

لعل واقع المدرسة المغربية يعكس بجلاء هذه المقولة , فرغم التطور الذي تعرفه مناهج التدريس و طرائقه ببلادنا لا زال الأداء التعليمي داخل الفصل يراوح مكانه منذ عقود ! فأغلب العاملين في حقل التدريس متمسكون بممارسة تدريسية قائمة على التلقين و الحشو والإلقاء واعتبار المتعلم قطعة إسفنج عليها امتصاص ماء المعرفة دون مشاركة عملية.

لذا فإن نشوء قناعة بقدرة  الطفل على اكتساب التعلمات خارج الأسلوب السلطوي المعهود يعد خطوة أولى نحو تحديث الممارسة التعليمية , وجعلها أكثر انفتاحا على حاجيات الطفل و رغباته.

و أكاد أجزم بأن الإدماج الفعال للعب في مسار التعلم سيكون له عظيم الأثر في إحداث التغيير المطلوب, لأنه يمثل أسلوبا فاعلا لإطلاق القدرات الكامنة للطفلواكتشافها ورعايتها و توجيهها , وهو بذلك يعد صمام الأمان , ومؤسسة تربوية حقيقية تعمل تلقائيا قبل المدرسة و بعدها.

و خير دليل على ما أوردته, هو ما يحدث الآن في المشهد التربوي بالولايات المتحدة الأمريكية. فقد أصدرت الإدارة الأمريكية قانون ” لا طفل يخفق دراسيا ” , وشنت حملة وطنية واسعة للرفع من مستوى التعليم بعد أن تبين ضعفه, وجرت محاولات حثيثة لاجتذاب المتعلمين الذين بدؤوا يفرون من المدارس ! , ووجد المدرسون انفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما: ! إما أن يجتهدوا و يرتقوا بتدريسهم و ذلك بأن يجعلوا الدرس أكثر مرحا و إثارة و جاذبية , وإما أن يفقدوا متعلميهم إلى الأبد.

فغدت الألعاب في المنهج الأمريكي تبدأ منذ اليوم الأول من التمدرس, وتعرف ب: الآيس بريكر  Ice Breakerوتلعب أدوارا مختلفة مثل تلك التي تقدم للدرس, أو تقرب فكرة معينة,أو تستخدم لمراجعة الدرس, أولاستغلال وقت الحصة الباقي بما ينفع, أو لتدخل قليلا من الاسترخاء على جو الحصة.

سيقول قائل بان مدرستنا المغربية لا تخلو في الوقت الحاضر من توظيف للعب التربوي وتمركز حول رغبات المتعلم , لكن الأمر لا يعدو كونه اجتهادا فرديا يفتقر إلى التأصيل النظري. فاللعب التربوي أسلوب يتطلب تطبيقه العملي الاستناد إلى ثروة من الأبحاث و الدراسات الأكاديمية ,كما يتطلب إدارة تربوية منفتحة , ومرنة تسمح بالتجريب التربوي , وتنمي روح الإبداع و التساؤل و البحث و الاكتشاف لدى المدرس و التلميذ على حد سواء.

1) إطلالة تاريخية:

*******************

يرجع تاريخ الألعاب التربوية إلى القرن السادس قبل الميلاد حين ابتكر سكان شبه القارة الهندية لعبة “الشطرنج” , ثم تطورت اللعبة فيما بعد لتستخدم في وضع و تطوير الخطط الحربية , حين استبدل القادة البروسيون قطع هذه اللعبة بالجنود و الدبابات و الضباط خلال الحرب العالمية الثانية, وأصبحت لوحة اللعب خريطة أو تصميما لمعركة !

بعد الحرب, ومع ظهور الحاسوب, بدأ رجال الإدارة و الأعمال و الاقتصاد يستعملون الألعاب لتوضيح العمليات التي تحدث في هذه المجالات للعاملين بغرض إنجاز العمل بسرعة و دقة متناهية. و اتسع المجال بعد ذلك ليتم إدماج الألعاب التربوية في مساقات العلوم السياسية لطلبة الدراسات العليا في نهاية الخمسينات من القرن الماضي, و في مجال التدريب و التعليم المهني .

أما في التعليم , فإن ظهور الألعاب التربوية ارتبط عضويا بظهور المدارس , حيث كان المدرسون يوظفون اللعب الإيهامي كتمثيل الأدوار المسرحية و تقمص الشخصيات من الواقع في حصصهم الدراسية , ولم يتم الاهتمام باللعب التربوي كأسلوب تعليمي إلا في الستينات  من القرن الماضي , حيث أجريت بحوث عديدة حول أهمية هذا الأسلوب و أثره في تحقيق تعلم جيد.

2) تعريف اللعب التربوي:

***************************

يعرف اللعب التربوي ,أو أسلوب التعلم باللعب , بأنه استغلال أنشطة اللعب في اكتساب المعرفة و تقريب مباديء العلم للأطفال و توسيع آفاقهم المعرفية . إنه ” لون من النشاط الجدي أو العقلي يستخدم كمتعة بهدف معرفي يؤدي إلى الكسب و التطور و الاكتشاف”(7)      وهو كذلك” مقطع من الحياة الواقعية تتم فيه عادة المباراة بين شخصين أو مجموعتين أو أكثر بناء على قواعد موضوعة سلفا من أجل تحقيق أهداف معينة , وأهم عنصر فيه هو عنصر المنافسة”(8) .

من خلال هذه التعريفات يمكن القول بأن إكساب اللعب قيمة تربوية يقتضي توافر ثلاثة شروط:

– ممارسته وفق قواعد محددة.

– تضمينه محتوى تعليمي معين.

– توفر عنصري المتعة و التسلية.

3) آثار و فوائد اللعب التربوي:

*********************************

خلصت العديد من الدراسات التي أجريت حول آثار اللعب في الرفع من مستوى التحصيل الدراسي إلى أن الألعاب التعليمية متى أحسن تخطيطها و تنظيمها و الإشراف عليها فإنها تؤسس مدخلا وظيفيا لمسار تعلمي فعال يتجاوز بكثير سلبيات نمط التعلم التقليدي .

ومن آثار أسلوب التعلم باللعب:

– تيسير اندماج المحتوى التعليمي في عقول المتعلمين بفضل مخاطبته لأكثر من حاسة .

– استثارة الجانب الانفعالي” متعة, حماس, ترقب, إثارة…”.

– تنمية القدرة التعبيرية لدى المتعلم.

– تقوية مهارة حل المشكلات و صنع القرارات و لو على مستوى بسيط.

– تنمية التفكير الإبداعي و الابتكاري.

– تنمية مهارة ربط المحسوس بالمجرد.

– كسر حاجز الخجل لدى فئة عريضة من المتعلمين .

– تعزيز الانتماء للجماعة.

– تعلم احترام القواعد و القوانين و الالتزام بها.

و نظرا لما يحدثه اللعب التربوي من تغيير في سلوك المتعلم فإن العديد من الباحثين دعوا إلى ضرورة إدماجه وفق مقاييس و شروط محددة تجنبا لأي انفلات قد يولد نتائج عكسية.

4) شروط توظيف اللعب التربوي:

*************************************

إن بناء الدرس وفق أسلوب التعلم باللعب يقتضي مراعاة مقاييس محددة في اللعبة التربوية المختارة:

أ) أن يكون لها هدف تعليمي محدد و في نفس الوقت مثيرة و ممتعة.

ب) قواعدها سهلة وواضحة.

ج) مناسبة لخبرات و قدرات و ميول المتعلمين.

د) مستمدة من بيئتهم و محيطهم.

وحتى تتوافر هذه المقاييس لا بد من دراية مسبقة لدى المدرس بالخطوات الواجب اتباعها لتصميم و استخدام أية لعبة تربوية, وهو ما قام به الدكتور محمد محمود الحيلة في كتابه “الألعاب التربوية و تقنيات إنتاجها” على الشكل الآتي :

1) تحديد الهدف العام للعبة:

لأن ذلك يساعد على اختيار محتوى اللعبة و أدواتها و أسلوب تقديمها بشكل يلائم استعدادات المتعلم و دوافعه و قدراته, كما يساعد على تحديد خطوات سير اللعبة مما يمكن من بلوغ الأهداف المتوخاة بأقل جهد و في أقصر وقت.

2) تحديد خصائص الفئة المستهدفة:

أي مراعاة الخصائص الفسيولوجية و الاجتماعية و التربوية/المعرفية للمتعلمين , بالإضافة إلى مراعاة خبراتهم السابقة.

3) تحليل المحتوى التعليمي الذي تنطلق منه اللعبة:

يتم تحليل المحتوى التعليمي ( الدرس) من جميع جوانبه ” مفاهيم, حقائق, إجراءات, مهارات…” من أجل توضيحها في اللعبة.

4) تحديد النتائج المتوقع من المتعلمين بلوغها:

و ذلك من خلال وصف تفصيلي لما يتوقع من المتعلم تحصيله أو القيام به بعد اللعبة .

5) تحديد الاسترتيجية المستعملة في اللعب:

و يقتضي ذلك مراعاة حجم المجموعة , وتحديد عدد المشاركين , و تحديد الزمن الملائم      لممارسة اللعبة في ضوء قواعد محددة.

6) وضع مخطط للعبة و تجريبه قبل المرور إلى التنفيذ:

ويتطلب ذلك إخراج اللعبة في شكل فني بحيث تكون أداة لإثارة دافعية المتعلم للعب ومن ثم للتعلم, كما يتوجب أن تكون الرسالة التي تحملها اللعبة مثيرة للتفكير و ليست ملقنة للمعلومات.

و بعد الانتهاء من الإعداد, لا بد من تجريبها على عينة من المتعلمين للحصول على تغذية راجعة فورية تفيد في تعديل قوانين اللعبة مثلا, و لتحديد التكلفة الزمنية بدقة وهو ما يخلص اللعبة من العفوية و الارتجال أثناء التنفيذ.

7) تنظيم البيئة الصفية و تنفيذ اللعبة:

و يشمل ذلك إعداد الفصل بشكل يتناسب مع استراتيجية اللعبة, ثم إجراؤها مع الحرص على الإشراف المستمر دون التدخل المباشر.

8) التقويم و المتابعة:

و ذلك ضمانا لفعالية اللعبة في تحقيق الهدف المحدد, وزيادة فاعلية التعلم(9) .

إن هذه المقاييس و الشروط هي ما يمنح اللعب قيمته التربوية, ويمكنه من إحداث التأثير الجيد على سلوك المتعلم, كما يعين المدرس على إدارة الموقف التعليمي إدارة ذكية تقوم على التوجيه المشوق نحو الهدف المطلوب.

5) أنواع الألعاب التربوية:

***************************

يمكن حصر أهم الألعاب التربوية في الأصناف التالية:

أ) ألعاب المجسمات: كالدمى, و أشكال الحيوانات, و العرائس, و الآلات, وأدوات الزينة…

ب) الألعاب الحركية: كألعاب الرمي, و القذف, و التركيب, و السباق, و التوازن, والتأرجح, و ألعاب الكرة…

ج) ألعاب الذكاء: كالألغاز, و حل المشكلات, و الكلمات المتقاطعة…

د) الألعاب الغنائية: كالأناشيد, و الغناء التمثيلي…

ه) الألعاب التمثيلية: كتقمص الشخصيات, و التمثيل المسرحي, و الميم, واللوحة التعبيرية.

6) ألعاب الفيديو والحاسوب:

******************************

يثير الاكتساح المهول لألعاب الفيديو و الحاسوب مخاوف كثير من المهتمين بالطفولة و التربية لعدة أسباب منها:

– صدور هذه الألعاب عن بيئة تخالف بيئة الطفل المسلم دينيا و أخلاقيا و سلوكيا.

– غفلة الأسرة و الأجهزة الرقابية .

– سهولة انتشارها و تداولها بفضل القرصنة و نسخ و تعديل الأشرطة.

فهذه الألعاب التي أسرت عقول الصغار في شتى أنحاء العالم ينحصر محتواها العام في الحروب و المعارك القتالية, و الرياضات بشتى أنواعها, و تعليم الموسيقى و الرقص.

و من المفارقات في هذا الباب أن الدول المنتجة و المصدرة لهذه الألعاب أحدثت أجهزة رقابية خاصة- كهيئة تقييم البرامج الترفيهية بأمريكا – مهمتها مراقبة محتوى كل لعبة , و مدى ملاءمته للفئة العمرية المستهدفة, وسن عقوبات في حق المروجين للألعاب المحرضة على العنف و الإباحية, كما أن الرأي العام بدوره يساهم في هذه الرقابة من خلال رفع دعاوى قضائية على الشركات المنتجة لبعض الألعاب المنحرفة!.

أما في البلدان العربية و الإسلامية فإن الوضع غير مطمئن بتاتا, فقد  بلغ الإدمان على هذه الألعاب حدا خطيرا , حيث خلفت آثارا صحية و نفسية تنذر بميلاد أجيال مشوهة !

وهو ما حذا بخبراء التربية  إلى المناداة بضرورة تهذيب هذه الألعاب وتوجيهها لخدمة المسار التعليمي للطفل و الراشد على السواء. حيث صدر بالولايات المتحدة الأمريكية كتاب بعنوان: “كيف تساعد ألعاب الكمبيوتر في تعليم الأطفال”(2006) وهو عبارة عن دراسة مبنية على عشرسنوات من البحث في التكنولوجيا و علم الألعاب يدعو من خلالها” ديفيد شيفر”أستاذ التربية بجامعة ويسكونسن الأمريكية إلى توظيف التكنولوجيا الجديدة لإعداد الناشئة للتعلم و التفكير و الحياة في عالم متطور و معقد من خلال ما يسميه ب” الألعاب الابستيمية”-أي المعرفية- وهي عبارة عن ألعاب يدخل الطفل من خلالها في عالم افتراضي شبيه بالواقع, ويؤدي مهمات تتطلب مهارات عقلية كالتحليل و التركيب و الاستقصاء و حل المشكلات.

التي تطوعت “Initiative Serious Games”I.S.G نفس المبادرة سعت إليها منظمة  لتوفير ألعاب تعنى بتقديم المعارف, و غرس القيم و الأخلاق الحميدة.

إلا أن المؤيدين لهذه البدائل يعترفون بصعوبة إدماج هذه الألعاب في المساقات التعليمية , لأن المدرسة بصيغتها الحالية غير مؤهلة لتبنيها, وهو ما يجعل التجديد القادم للتربية في عصر العولمة الرقمية يتحقق خارج أسوار المدرسة التقليدية!

خــلاصـة:

إن صمود المدرسة في عالم متغير ومعقد , و استمرارها في أداء وظيفتها كحارسة للقيم , و مسؤولة عن تشكيل هوية الطفل رهين بقدرتها على الاستقطاب و الاحتواء , و التكيف بصورة جذرية مع الطفرة التكنولوجية.

لذا فإن التغيير المنشود لا يتطلب تعديلا في المناهج و الطرائق بقدر ما يتطلب قناعة راسخة بمحورية الطفل , و بضرورة تصميم المواقف التعليمية بما يناسب حاجاته و تطلعاته.

إن الدعوة إلى الإدماج الفعال لأسلوب التعلم باللعب خطوة أولى نحو الاستثمار الجيد لقدرات و طاقات أطفالنا مما يعزز ثقتهم بجدوى التعلم في فضاء يوشك أن يتداعى تحت قصف العولمة!!

خـاتمـة:

***************

إن الإنسان بطبيعته مفطور على حب المرح الذي يعد اللعب أحد مصادره لأن ” بداخل كل منا طفل يتوق للعب ” كما يقول “نيتشه” , ورغم أنه نشاط لا يرجى من ورائه سوى تحقيق المتعة  إلا أن التاريخ يؤكد لنا أن الألعاب , ولأكثر من مرة , قادت البشرية إلى اكتشافات تقنية و علمية مدهشة !.

أما في النسق التعليمي , فإنه الصيغة المثلى لتلقين المعارف و المهارات  وتمرير القيم , ولا أدل على ذلك من الرضى و القبول الذي حظيت به البدائل التعليمية الجديدة في عدد من دول العالم , والتي انبنت في مجملها على اللعب التربوي كوسيط وحيد للتعلم (( التعليم بالترفيه, التعليم بالمرح, المدارس الحرة…إلخ)).

وهو ما يدفعنا إلى القول بأن كل خطوة نحو تحديث العمل التربوي في بلادنا لا بد أن تؤمن بقدرة الطفل على تأمين حاجته من المعرفة و المهارة و السلوك بمفرده , بعيدا عن  أية قيود أو ضغوط نفسية , وذلك من خلال  استثمار ذكي لعنصر الإمتاع الذي يوفره اللعب.

إنني من خلال هذا البحث المتواضع لاأدعي الإلمام بكل عناصر الموضوع, فلا زالت آثار اللعب و تجلياته كسلوك إنساني تشغل بال العديد من الدارسين , وتحثهم على  إضاءته من مختلف الزوايا . وإنما كان القصد هو الدعوة إلى ضرورة تعديل مسار التعليم ببلادنا بما يؤمن لأجيال المستقبل تنشئة اجتماعية سليمة , ويحصنها ضد الذوبان في هوية الآخر وقيمه ! .

 

الهوامش و الإحالات:

*************************

(1): الميثاق الوطني للتربية و التكوين, ص:10

(2): نفس المرجع, ص:11

(3): سوزانا ميلر, سيكولوجية اللعب, ص:5

(4): محمد محمود الحيلة, الألعاب التربوية و تقنيات إنتاجها.

(5): شاكر عبد الحميد, التفضيل الجمالي,ص: 223

(6): محمد عماد الدين إسماعيل, الاطفال مرآة المجتمع, ص:283.

(8): أنور طاهر رضا, التشبيهات و الألعاب التربوية, ص:131

(9): محمد محمود الحيلة, المرجع أعلاه.

المراجــع:

***************

– سوزانا ميلر , سيكولوجية اللعب, عالم المعرفة, عدد120,دجنبر 1987

– محمد محمود الحيلة, الألعاب التربوية و تقنيات إنتاجها2006, دراسة مأخوذة من الأنترنيت

– شاكر عبد الحميد, التفضيل الجمالي , عالم المعرفة, عدد267, مارس2001

– علي راجح بركات, نظرية بياجيه البنائية, دراسة مأخوذة من الأنترنيت.

– محمد عماد الدين إسماعيل, الأطفال مرآة المجتمع, عالم المعرفة, عدد99, مارس1986

– أنور طاهر رضا, التشبيهات و الألعاب التربوية, دراسة مأخوذة من الأنترنيت .

حميد بن خيبش

بواسطة
حميد بن خيبش
Exit mobile version